mohsen
عدد المساهمات : 5 تاريخ التسجيل : 30/04/2010
| موضوع: حبٌ على حافة النار ( قصة قصيرة الأربعاء 5 مايو - 11:26 | |
| حبٌ على حافة النار ( قصة قصيرة ) وقفتْ هناء فى شرفتها المطلة على حديقةٍ
جميلةٍ ؛ لتستعيدَ شريطَ حياتها ، وكيف أنَّها
الآن فى الثامنة والثلاثين مِن عمرها ، وأصبحتْ
جدّةً رغم عُمرها الصغير ! .. وكيف أنَّها كانتْ
مِن عشرين عاماً فتاةً فقيرةً تحلمُ بدخول
الجامعة ، حتى جاءها ذاكَ العريسُ الثرىّ
والذى تجاوزَ الخمسين بقليلٍ ، وعاشتْ فى
ثراءٍ لم تكنْ تحلمُ به ... وكيفَ انشغلتْ عن
مطالبِ الحياة بتربية طفلتيها ، حتى مرَّتْ
السنواتُ متلاحقةً ، فتزوَّجتْ ابنتُها الكبرى ذات
العشرينَ ربيعاً ، وسرعان ما أنجبتْ تلك الابنةُ
لتصبحَ هناءُ جدةً قبل بلوغها للأربعين ، والآن
تتهيأ ابنتُها الصغرى للزواج عند مجئ ابن الحلال
*****
وقابلتْه ذاتَ مرةٍ ، لتتسمَّر عيناهما ، إنَّه ذاك
الفتى شادى ابن السابعة والعشرين ، والذى
يظهرُ فى أحلامها منذُ كانتْ مراهقة ، فاخترقَ
قلبَها الظمآنَ للحبّ منذُ الوهلةِ الأولى ...
واستمرَّتْ العلاقةُ ستةَ أشهر من اللقاءات
المتعددة ، والتى جعلتْ الشوقَ
يشتعلُ ، والدموعُ تنسابُ على الخدود...
*****
وأخذَ الحبُّ الجديدُ ينمو متخطّياً كلَّ الحدودِ
ومحطّماً كلَّ القيود ، ووصلَ الهيامُ بينَ
العاشقيْن إلى سعير الجنون الملتهب ، فتحدَّثَ
لسانُها فى غيبةٍ من عقلها :
- أحلمُ بأنْ لانفارق بعضَنا لحظةً...
فردَّ حبيبُها شادى متحسّراً : -
آآآآآهٍ يا حبيبتى ، ولكن أنّى لنا هذا ؟!..
ومازالتْ أمى تلحُّ كلَّ يومٍ علىّ بأنْ أتزوجَ...
فلذعتْ عبارتُه قلبَها المتأجج بمَن روَى
مشاعرَها العَطشَى للحبّ ، بعد وجودها مع
زوجٍ كهلٍ فقدَ كلّ حواس الزمن ، فردّتْ باكيةً :
سأفكّرُ جدّياً بالأمر ؛ لأننى أصبحتُ عاجزةً تماماً
أنْ أفارقكَ ولو لحظةً من عمرى...
*****
ولم تنمْ هناءُ ليلتَها ، واشتعلَ رأسُها بالأفكار
والظنون فتحدَّثتْ تناجى نفسَها الضائعة :
إننى لنْ أستطيعَ أنْ أطلبَ الطلاقَ ، وماذا يقولُ
عنى المجتمعُ ، وقد أصبحتُ جدّةً ، وخصوصاً
بعدما أقعدَ المرضُ زوجى الكهل ، وأصبحَ تمثالاً
لايتحركُ فى المنزل ، وانتهى حوارُنا من سنواتٍ
ثمَّ رفعتْ محمولها فى لحظةٍ جنونيةٍ من الحبّ
المستعر فى نفسٍ تواقةٍ لحضن مَن تعشقُ :
حبيبى شادى لقدْ وجدتُ الحلَّ الذى لنْ يفرّقَنا
عن بعضٍ أبداً ، وستعرفُه غداً فى لقائنا...
*****
وفى الغد جلسَ العاشقان أمامَ مياه نهر النيل
والتى علتْ أمواجُها هائجةً على غير عادتها
فى ذاك اليوم المُلبَّد بالغيوم ، وفى الكازينو
المُطلّ على النيل علا صوتُ العندليب عبد
الحليم حافظ فى رائعة الأمير عبد الله الفيصل
( يامالكاً قلبى ) وانسابتْ الكلماتُ مجسدةً حالهما :
قلْ لى إلى أين المسير ... فى ظلمة الدرب
العسير... طالتْ لياليه بنا ... والعمر لو تدرى
قصير ... يافاتناً عمرى هل انتهى أمرى... أخافُ
أنْ أمشى فى غربتى وحدى...
فكانتْ الأغنية إعلاناً عن ذوبان العاشقيْن
وترجماناً لشوقهما المتأجج ، ولحبهما المجنون
فنظرتْ هناءُ لحبيبها نظرةً امتزجتْ فيها البسمةُ
الصفراءُ التى أخفتْ دمعةً تعبتْ فى حبسها فقالت :
حبيبى شادى.. أريدكَ أنْ تتزوجَ ابنتى الصغرى
وتعيشَ معنا أنا وزوجى فى بيت العائلة الكبير
فتلك هى الوسيلة الوحيدة ؛ كيلا نفترقَ لحظة
وأترككَ للتفكير عشرة أيامٍ ؛ لأنَّ خروجى الآن
للقائكَ أصبحَ محفوفاً بالمخاطر ، ومحاطاً بالعيون
*****
وتضاربتْ كلُّ الأفكار فى رأس شادى ، وأصبحَ
عاجزاً عن التفكير ، ولايدرى ما يقررُه ...إنَّه
يعشقُها عشقاً جنونياً لاحدودَ له ، وأمه تطاردُه
ليلاً ونهاراً ؛ ليتزوجَ ...فماذا يفعلُ ؟
وبعد مرور أسبوعٍ جُنَّ شوقُه للقياها ، وأنَّى له
ذلك فى مجتمعٍ شرقىٍّ يقيدُه بآلاف
المحظورات ، فوجدَ نفسه يتجهُ لبيت حبيبته
ليقابلَ زوجَها الكهل ، طالباً يدَ ابنة حبيبته
الصغرى ، وتمَّ إعلانُ الخطبة ، وتحدّدَ موعدُ
الزفافِ بعدها بشهرٍ واحدٍ ...
وحضرَ شادى بعد يومين ؛ ليجلسَ مع خطيبته
وحضرتْ أمُّها تلك الحبيبة ؛ لتقدمَ مشروبَ
الضيافة ، فنظرَ لها نظرة عاشقٍ مشتاقٍ يتمنى
لو تنصرفُ خطيبتُه لحظاتٍ ؛ ليحتضنَ أمَّها بكلّ
شغفٍ ، فابتسمتْ الأمُّ ابتسامة تحذيرٍ لنظراته
المشتعلة بالغرام ، وسرعانَ ما انصرفتْ
لتدخلَ غرفتها فى قمة الحزن والندم ....
وفى غرفتها راحتْ هناءُ فى نوبةٍ من البكاء
الشديدة ، والندم الكبير لما فعلتْه ... وما
أقسى الأنانية فى الحبّ ... وشعرتْ باختناقٍ
شديدٍ من المنزل ، فتركتْ الخطيبين ، وأخذتْ
سيارتَها ، وانطلقتْ سريعاً بها ، لاتدرى أين
وجهتَها ، ودعتْ اللهَ دعاءً حاراً مبللاً بدموع الندم
أنْ ينجّيها من هذا العشق الجنونىّ ، والذى
دفعَها لتهديد سعادة ابنتها فلذة كبدها ، وظلَّتْ
تبكى بحرقةٍ ، وهى شاردةٌ عن كلّ ما حولها
حتى كانَ الخلاصُ من الدنيا المظلمة ، وكانَ
الاصطدامُ بشاحنة لورى لم تنتبهْ لها فى
شرودها الرهيب ، فانقلبتْ بها سيارتُها مراتٍ
ومراتٍ ، ونُقِلتْ للمستشفى....
*****
وكانَ اللقاءُ الآخيرُ بينَ العاشقين المجنونين
لتخرج منها كلماتٌ متقطعةٌ لحظة الاحتضار :
حبيبى شادى سامحنى ، حيث لم أستطعْ أنْ
أسعدكَ... ارجوكَ لاتتزوجْ ابنتى ، واطلبْ لى
المغفرةَ من الله ، وتذكّرْ حبيبةً ستموتُ وهى
تحبُّكَ حبَّاً طاهراً ، وأحمدُ الله أنَّه لم يدنّسْ حبنا
بزواجكَ مِن ابنتى ... الوداعُ ياحبيبَ العمر..
*****
وهامَ شادى فى الطرقاتِ كالمجنونِ ، يتحدثُ
لنفسه دوماً ، ومازالَ كلّ يومٍ يذهبُ لنفس
الكازينو على نهر النيل ، ولكن وحده دونَ
حبيبته كما تعوَّد أنْ يلقاها ، ويظلُّ يتحدثُ
لنفسه كأنما تجلسُ أمامه ، ومازالَ يستمعُ
لتلك الأغنية لعبد الحليم حافظ ومازالت كلماتُها
تتوالى على قلبه العاشق :
آهٍ من الأشواق آهٍ... لم تعطِ مَنْ يهوى مناه
مالى أحسُّ أننى.. روحٌ غريبٌ فى الحياة
رحماكَ من هذا العذاب.. قلبى من الأشواق ذاب
ليلى ضنى .... صبحى أسى....
عيشى على الدنيا سراب...
يافاتناً عمرى هل انتهى أمرى
أخافُ أنْ أمشى فى غربتى وحدى
فى ظلمة الأسر...يامالكاً قلبى
تمت بحمد الله | |
|