عندما اندفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي صوب الشطر الشرقي من القدس في السابع من
يونيو/حزيران 1967، كان المسجد الأقصى المبارك في صلب اهتماماتها، ليقوم الجنود
الإسرائيليون بتدنيس ساحاته في أولى لحظات احتلاله.
ومنذ ذلك اليوم والمسجد
الأقصى يواجه سلسلة لا تنقطع من الانتهاكات الإسرائيلية، بينما كان إحراق المسجد
يوم 21 أغسطس/آب 1969 حلقة ذات وقع خاص في تلك السلسلة، حيث أتت النيران على أجزاء
كبيرة من المسجد المبارك، من ضمنها منبر صلاح الدين الأيوبي.
ومع مرور
أربعين عاما على الواقعة لا يزال حريق المسجد الأقصى مشتعلا، وإن تعددت أشكاله
ومسمّياته، كما يؤكد المواكبون للهجمة الإسرائيلية الصامتة عليه.
وقد شهدت
السنون والأشهر الأخيرة بالذات تصاعدا ملحوظا ومخاطر غير مسبوقة أوقعتها سلطات
الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك، بات معها من غير المستبعد وجود خطط
لتنفيذ اعتداءات كبيرة على المقدسات بالقدس، خاصة في ظل حكومة إسرائيلية أشد تطرفا
من سابقاتها.
وأوضحت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" في تقرير صادر عنها أهم
المخاطر والاعتداءات التي تستهدف المسجد الأقصى بشكل شبه يومي وتهدد مستقبله
وتستدعي ضرورة التحرك الفوري لإنقاذه.
ووسط تنامي الأطماع ببناء هيكل أسطوري
-يسميه المتطرفون الإسرائيليون "الهيكل الثالث"- على حساب المسجد المبارك، برزت
تطورات لافتة للانتباه في الآونة الأخيرة.
إذ تقوم جماعات يهودية دينية
بمئات العناصر أسبوعيا وبالآلاف سنويا باقتحام المسجد الأقصى وأداء شعائر دينية
وطقوس تلمودية داخل المسجد وذلك بحراسة قوات الاحتلال.
وفي تطور تصعيدي آخر
جرى نصب ما يسمى "شمعدان الهيكل الذهبي" ومجسم كبير للهيكل الثالث المزعوم قبالة
المسجد الأقصى المبارك، وذلك من الجهة الغربية للمسجد قرب ساحة وحائط البراق، على
بعد عشرات الأمتار من المسجد استعدادا لإدخاله إلى داخل المسجد في أقرب وقت، حسب
حساباتهم وأجندتهم.
كما قامت منظمات وجماعات يهودية دينية بتحضير مستلزمات
بناء الهيكل المزعوم وكل أدواته لنقلها إلى المسجد الأقصى، لبناء الهيكل فور
الانتهاء من التحضيرات بحسب تقديرات زمنية عندها، وهو ما ترافق مع حملات لجمع
التبرعات لإنهاء التحضيرات سريعا.
اقتحامات الجماعات اليهودية
ورصد التقرير زيادة في منسوب الفتاوى الدينية اليهودية والآراء
والتعاليم الدينية اليهودية مما تسمى بالمرجعيات الدينية وقيادات الجماعات اليهودية
الدينية الداعية إلى اقتحام المسجد الأقصى وأداء الشعائر الدينية اليهودية والطقوس
التلمودية داخله، مما صعّد من اقتحامات الجماعات اليهودية للمسجد، خاصة من فئات
الأطفال والشباب والنساء.
وفيما تتسارع حمى النشاطات التهويدية فإن الدعم
السياسي الإسرائيلي الرسمي والحزبي والشعبي الصريح والواضح أصبح أكثر من ذي قبل لكل
نشاط أو إجراء يصبّ في تنفيذ مخطط بناء الهيكل المزعوم. وكمثال على ذلك تبرز مشاركة
الأحزاب السياسية اليهودية في اقتحامات المسجد الأقصى وأداء الشعائر الدينية
والتلمودية داخله، وتنظيم الأيام الدراسية والبحثية لهذا الغرض في البرلمان
الإسرائيلي.
ويجري أيضا التحضير لبناء مرافق الهيكل المزعوم كالتحضير لبناء
ما تسمى "حديقة الملك داود" في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، وذلك بعد الانتهاء
من بناء مركز زوار تحت اسم "مدينة داود".
بناء الهيكل
المزعوم
وعلاوة على ذلك، يتكثف دخول المجموعات المسيحية الصهيونية
إلى المسجد الأقصى، وتنظيم شروح تدعو إلى بناء الهيكل المزعوم كجزء من عقيدة الخلاص
المسيحي عند هذه الفرق الإنجيلية التي يؤمن أتباعها بضرورة بناء الهيكل المزعوم
كمقدمة لنزول المسيح عليه السلام.
كما شرعت سلطات الاحتلال في إعداد الخطط
والبرامج والتنفيذ المتدرج لمخطط تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين
واليهود، كما حصل في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
وتسعى سلطات
الاحتلال كذلك إلى تحويل مساحات واسعة من المسجد الأقصى إلى ساحات عامة ومتنزه عام
وأماكن عامة تابعة لبلدية الاحتلال في القدس، وفرض الأمر الواقع للتعامل مع ساحات
المسجد الأقصى بهذا الاعتبار.
وعلاوة على ذلك، فقد قامت سلطات الاحتلال وما
زالت بأعمال حفريات وتنقيب وحفر أنفاق منذ بدء احتلال القدس وحتى اليوم، وذلك تحت
المسجد المبارك وفي محيطه القريب، حتى تشكلت الآن شبكة من الأنفاق تحت المسجد وفي
محيطه.
وبينما بعض هذه الحفريات والأنفاق معروفة، فإن الكثير منها لا يُعرَف
مسارها وحجمها الحقيقي، إلا أن القرائن تشير إلى أن هذه الأنفاق والحفريات وصلت إلى
منطقة الكأس في المسجد الأقصى المبارك ما بين الجامع القبلي المسقوف وقبة الصخرة
المشرفة. وفي الآونة الأخير تكثفت أعمال الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى وفي
المحيط القريب منه.
وحذر التقرير من أن سلطات الاحتلال تسعى إلى تهويد
المحيط القريب من المسجد الأقصى المبارك وجعله نقاط انطلاق لاعتداء مباشر على
المسجد.