[[color=blue]size=24] حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ
[/color]
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( حَدَّثَنَا مُعَاذ بْن فَضَالَة )
بِفَتْحِ الْفَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة , وَهُوَ بَصْرِيّ مِنْ قُدَمَاء شُيُوخ الْبُخَارِيّ .
قَوْله : ( هُوَ الدَّسْتُوَائِيّ )
أَيْ : اِبْن أَبِي عَبْد اللَّه لَا اِبْن حَسَّان , وَهُمَا بَصْرِيَّانِ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ مِنْ طَبَقَة وَاحِدَة .
قَوْله : ( عَنْ أَبِيهِ )
أَيْ : أَبِي قَتَادَة الْحَارِث وَقِيلَ عَمْرو وَقِيلَ النُّعْمَان الْأَنْصَارِيّ , فَارِس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوَّل مَشَاهِده أُحُد وَمَاتَ سَنَة أَرْبَع وَخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيح فِيهِمَا .
قَوْله : ( فَلَا يَتَنَفَّس )
بِالْجَزْمِ وَ " لَا " نَاهِيَة فِي الثَّلَاثَة , وَرُوِيَ بِالضَّمِّ فِيهَا عَلَى أَنَّ لَا نَافِيَة .
قَوْله : ( فِي الْإِنَاء )
أَيْ دَاخِله , وَأَمَّا إِذَا أَبَانَهُ وَتَنَفَّسَ فَهِيَ السُّنَّة كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث أَنَس فِي كِتَاب الْأَشْرِبَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَهَذَا النَّهْي لِلتَّأَدُّبِ لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَة فِي النَّظَافَة , إِذْ قَدْ يَخْرُج مَعَ النَّفَس بُصَاق أَوْ مُخَاط أَوْ بُخَار رَدِيء فَيُكْسِبهُ رَائِحَة كَرِيهَة فَيَتَقَذَّر بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَنْ شُرْبه .
قَوْله : ( وَإِذَا أَتَى الْخَلَاء )
أَيْ : فَبَالَ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدهَا .
قَوْله : ( وَلَا يَتَمَسَّح بِيَمِينِهِ )
أَيْ : لَا يَسْتَنْجِ . وَقَدْ أَثَارَ الْخَطَّابِيُّ هُنَا بَحْثًا وَبَالَغَ فِي التَّبَجُّح بِهِ وَحَكَى عَنْ أَبِي عَلِيّ بْن أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ نَاظَرَ رَجُلًا مِنْ الْفُقَهَاء الْخُرَاسَانِيِّينَ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَأَعْيَاهُ جَوَابهَا , ثُمَّ أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ بِجَوَابٍ فِيهِ نَظَر , وَمُحَصَّل الْإِيرَاد أَنَّ الْمُسْتَجْمِر مَتَى اِسْتَجْمَرَ بِيَسَارِهِ اِسْتَلْزَمَ مَسّ ذَكَره بِيَمِينِهِ , وَمَتَى أَمْسَكَهُ بِيَسَارِهِ اِسْتَلْزَمَ اِسْتِجْمَاره بِيَمِينِهِ وَكِلَاهُمَا قَدْ شَمِلَهُ النَّهْي , وَمُحَصَّل الْجَوَاب أَنَّهُ يَقْصِد الْأَشْيَاء الضَّخْمَة الَّتِي لَا تَزُول بِالْحَرَكَةِ كَالْجِدَارِ وَنَحْوه مِنْ الْأَشْيَاء الْبَارِزَة فَيَسْتَجْمِر بِهَا بِيَسَارِهِ , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَلْيُلْصِقْ مَقْعَدَته بِالْأَرْضِ وَيُمْسِك مَا يَسْتَجْمِر بِهِ بَيْن عَقِبَيْهِ أَوْ إِبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ وَيَسْتَجْمِر بِيَسَارِهِ فَلَا يَكُون مُتَصَرِّفًا فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ اِنْتَهَى . وَهَذِهِ هَيْئَة مُنْكَرَة بَلْ يَتَعَذَّر فِعْلهَا فِي غَالِب الْأَوْقَات , وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ النَّهْي عَنْ الِاسْتِجْمَار بِالْيَمِينِ مُخْتَصّ بِالدُّبُرِ , وَالنَّهْي عَنْ الْمَسّ مُخْتَصّ بِالذَّكَرِ فَبَطَلَ الْإِيرَاد مِنْ أَصْله , كَذَا قَالَ . وَمَا اِدَّعَاهُ مِنْ تَخْصِيص الِاسْتِنْجَاء بِالدُّبُرِ مَرْدُود , وَالْمَسّ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالذَّكَرِ لَكِنْ يُلْحَق بِهِ الدُّبُر قِيَاسًا , وَالتَّنْصِيص عَلَى الذَّكَر لَا مَفْهُوم لَهُ بَلْ فَرْج الْمَرْأَة كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا خُصَّ الذَّكَر بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الرِّجَال فِي الْغَالِب هُمْ الْمُخَاطَبُونَ وَالنِّسَاء شَقَائِق الرِّجَال فِي الْأَحْكَام إِلَّا مَا خُصَّ . وَالصَّوَاب فِي الصُّورَة الَّتِي أَوْرَدَهَا الْخَطَّابِيُّ مَا قَالَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ بَعْده كَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيط وَالْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب أَنَّهُ يُمِرّ الْعُضْو بِيَسَارِهِ عَلَى شَيْء يُمْسِكهُ بِيَمِينِهِ وَهِيَ قَارَّة غَيْر مُتَحَرِّكَة فَلَا يُعَدّ مُسْتَجْمِرًا بِالْيَمِينِ وَلَا مَاسًّا بِهَا , وَمَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة يَكُون مُسْتَجْمِرًا بِيَمِينِهِ فَقَدْ غَلِطَ , وَإِنَّمَا هُوَ كَمَنْ صَبَّ بِيَمِينِهِ الْمَاء عَلَى يَسَاره حَال الِاسْتِنْجَاء .
[/size]