[center]الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والكبرياء والجمال
وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير
عن بعض ما أوليه من الإنعام والإفضال
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
فأول ما نبدأ به اليوم أن أذكر نفسي وإياكم
أن نخلص النية لله وحده
ونسأل الله الحي القيوم العلي العظيم الأول الآخر
الظاهر الباطن العليم بكل شئ ذا الجلال والإكرام الواحد الأحد
الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد القريب المجيب
أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا ونية خالصة لوجهه الكريم ,
وأن ينور بصائرنا بالعلم والهدى
وأن يقيم أعمالنا بدين الحق
الذي أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم
باللهِ يَانَاظِراً فيه وَمُنْتَفِعاً**منه سَلِ الله توفقاً لِجامِعِهِ
وقل أفلهُ إلَه الخَلْقِ مَغْفِرَة**واقْبَلْ دُعَاه وَجَنَّبْ عن مَوَانِعِه
وخُصَّ نفسَك مِن خَيرٍ دعوتَ به**ومَن يَقُومُ بما يُكفِي لِطَابِعِه
والمسلمينَ جَميعاً مَا بَداَ قمرٌ**أو كوكبٌ مُستْنَيِرٌ من مَطَالِعِه
الدرس الاول
إنَّ من نعم الله على هذه الأمة أن أكمل لها دينها،
وأتمَّ عليها نعمته، ورضي لها الإسلام دينًا.
وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما قُبِضَ إلا وقد تركها على المحجَّةِ البيضاء؛
ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك،
وما ترك خيرًا يقرِّبها إلى الجنة ويُبْعِدها عن النار؛
إلا ودلَّها عليه،
ولا شرًّا إلا وحذرها منه؛
ليَهْلِكَ من هلك عن بيِّنَةٍ ويَحْيَا من حَيَّ عن بيِّنة.
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ أن نرجعَ عند الاختلاف ونتحاكَمَ
عند النزاع إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عزَّ من قائل
(فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )
وعلى هذا النَّهج سار سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين،
ومَن سلك نهجَهم وخطى خطاهُم
أهميَّة العقيدة السلفية بين العقائد الأخرى
إن أهمية دراسة العقيدة السلفيَّة تنبع من أهمية العقيدة نفسها،
وضرورة العمل الجاد الدّؤوب لإعادة الناس إليها، وذلك لأمور
أولاً: أنه بها تتوحَّد صفوف المسلمين والدُّعاة،
وعليها تجتمع كلمتهم، وبدونها تتفكَّك؛
ذلك أنها عقيدة الكتاب والسنة والجيل الأول من الصحابة،
وكل تجمُّع على غيرها مصيره الفشل والتفكُّك.
ثانيًا: أن العقيدة السلفية تجعل المسلم يعظِّم نصوص الكتاب والسنة،
وتعْصِمُه من ردِّ معانيها، أو التّلاعب في تفسيرها بما يوافق الهوى.
ثالثًا: أنها تربط المسلم بالسَّلف من الصحابة ومَن تبعهم،
فتزيده عزَّة وإيمانًا وافتخارًا، فهم سادةُ الأولياء، وأئمَّة الأتقياء،
والأمر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه
((إن الله نظرَ في قلوب العباد،
فوجَد قلبَ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم
خيرَ قلوب العباد، فاصطفاهُ لنفسه، فابتعثه برسالته،
ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ،
فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد،
فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتِلون على دينه،
فما رَأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسنٌ،
وما رأوْهُ سيِّئًا فهو عند الله سيئ)
أو كما رُوِيَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال
(مَن كان مستنًّا؛ فليستنَّ بمَن قد مات،
أولئك أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم ؛
كانوا خيرَ هذه الأمة؛
أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا،
قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ،
ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم،
فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
كانوا على الهدى المستقيم،
والله ربِّ الكعبة)
رابعًا: تميُّزُهَا بالوضوح؛ حيث إنها تتَّخذ الكتاب والسنة
منطلقًا في التصوُّر والفهم، بعيدًا عن التأْويل والتعطيل والتَّشْبيه،
وتنجي المتمسِّك بها من هَلَكةِ الخوض في ذات الله،
وردِّ نصوص كتاب الله وسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ،
ومن ثَمَّ تكسب صاحبها الرِّضا والاطمئنان لقدر الله،
وتقدير عِظَمِ الله،
ولا تكلِّف العقل التَّفكير فيما لا طاقة له به من الغيبيَّات؛
فالعقيدة السلفيَّة سهلةٌ ميسَّرة،
بعيدة عن التّعقيد والتّعجيز
تلك العقيدة ما أجل سناها **قبس يشع على القلوب هداها
فيها من القرآن كل فضيلة ** تهدي الضليل إلى الهدي بضياها
فيها الفلاح لمن أراد سعادة ** في الدين والدنيا إذا يغشاها
زفت لنا الإيمان أجلى صورة**وروت صفات الله في معناها
جلت عن التعطيل والتكييف ** والتشبية والتمثيل ما أسماها
فتمسكن بعرى العقيدة إنها ** وثقت وصيغ من الهدى مبناها
أهميَّة ((العقيدة الواسطية)) بين العقائد السّلفيّة
فغير خاف على أهل العلم، وطلابه،
والمشتغلين به ما للعقيدة الواسطية التي ألفها شيخ الإسلام
أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية
قدس الله روحه ونور ضريحه
من المكانة، والأهمية،
والمنزلة بين الكتب المؤلفة في بيان عقيدة المسلم.
فإن هذه العقيدة المباركة ذائعة الصيت، وحائزة السبق،
عظيمة النفع في توضيح عقيدة أهل السنة والجماعة
على قلة ألفاظها، وسهولة عبارتها،
والذي رشحها لهذا أسباب عديدة منها
1- أن ما تضمنته هذه العقيدة المباركة معتمدة
على ما جاء في كتاب الله عز وجل
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
وأجمع عليه سلف الأمة وأئمتها،
وذلك في ألفاظها ومعانيها،
وقد أبان شيخ الإسلام
عن هذه المزية في المناظرة التي جرت في هذه العقيدة
فقال
(أنا تحريت في هذه العقيدة إتباع الكتاب، والسنة)
وقال أيضاً
(وكل لفظ ذكرته فأنا أذكر به آية، أو حديثاً، أو إجماعاً سلفياً)
2- أن ما تضمنته هذه الرسالة المباركة هو نتيجة، وثمرة
تتبع شيخ الإسلام – رحمه الله – لأقوال السلف،
واستقرائها في باب أسماء الله وصفاته، واليوم الآخر،
والإيمان، والقدر، والصحابة
وغير ذلك من مسائل الأصول والاعتقاد،
قال رحمه الله في كلامه عن هذه العقيدة
(ما جمعت إلا عقيدة السلف الصالح جميعهم)
3- أن المؤلف رحمه الله بذل الوسع والطاقة في تحرير طريقه
الفرقة الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة
في هذه العقيدة تحريراً بالغاً دقيقاً،
حتى قال
(قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين،
فإن يخالف ما ذكرته فأنا راجع عن ذلك)
ولقد عدل رحمه الله
عن استعمال بعض الألفاظ المشتهرة كالتحريف والتشبيه ونحوهما،
لكونها ليست في الكتاب والسنة، وإن كان قد يعنى بها معنى صحيح
4- أنه على صغر حجم هذه العقيدة المباركة
إلا أنها اشتملت على غالب مسائل الاعتقاد، وأصول الإيمان،
إضافة إلى بيان المسلك العملي الخلقي لأهل السنة والجماعة.
ولقد حظيت هذه العقيدة بالقبول عند أهل العلم قديماً وحديثاً،
فأثنى عليها أهل العلم، وذكروها بالجميل،
فقال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في كلام له على هذه الرسالة
(وقع الاتفاق على أن هذا معتقد سلفي جيد)
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله
(وقع الاتفاق على أن هذه عقيدة سنية سلفية )
وقال عنها العلامه عبد الرحمن السعدي رحمه الله
(جمعت على اختصارها، واختصاراً،
وضوحها جميع ما يجب اعتقاده في أصول الإيمان،
وعقائده الصحيحة )
إن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيميّة
من أكثر العقائد السلفية سهولة ويسرًا،
مع وضوحٍ في العبارة، وصحَّةٍ في الاستدلال،
واختصارٍ في الكلمات,
وقد وُضِعَ لها القَبول في الأرض،
فتلقَّفها طلاب العلم ودرسوها وتدارَسوها ثم درَّسوها،
وحفظوها جيلاً بعد جيل، وفي كل خير،
وهي بحقٍّ من أجمع وأخصر ما كُتِب في عقيدة أهل السنة والجماعة.
أما لماذا سُمِّيَت بـ((العقيدة الواسطية))؟
فهذا سؤال يجيب عليه مؤلِّفها
وواضعها شيخ الإسلام رحمه الله، فيقول
(قدم عليَّ من أرض واسطٍ بعض قضاة نواحيها ـ
شيخٌ يقال لـه: رضي الدين الواسطي، من أصحاب الشافعي ـ،
قدِم علينا حاجًّا، وكان من أهل الخير والدِّين،
وشكا ما الناس فيه بتلك البلاد وفي دولة التَّتر؛
من غلبة الجهل والظلم، ودُروس الدِّين والعلم،
وسألني أن أكتب له عقيدة تكون عمدةً له ولأهل بيته،
فاستعفيتُ من ذلك، وقلتُ: قد كتب الناس عقائد متعدِّدة،
فخذ بعض عقائد أئمة السُّنّة. فألحَّ في السؤال،
وقال: ما أحبُّ إلا عقيدة تكتبها أنت.
فكتبت لـه هذه العقيدة وأنا قاعدٌ بعد العصر،
وقد انتشرت بها نسخٌ كثيرة؛ في مصر والعراق، وغيرِهما)
((مجموع الفتاوى)) (3/164).
ومن توفيق الله وقدره
أن كان هذا الرجل من واسط، فسميت العقيدة الواسطية.
فكتبها رحمه الله في جلسة واحدة بعد صلاة العصر،
وهذا دليل واضح على سعة علمه رحمه الله
وما أعطاه الله من القدرة والموهبة العلمية الباهرة،
ولا يستغرب ذلك؛
فإن فضل الله يؤتيه من يشاء
ويحرمه من يشاء
فنسأل الله العلي العظيم من فضله، وكرمه.[/center]