أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن، كما جاء بذلك الإخبار عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم؛ وما ذاك إلا لأنهن عورة وفتنة، ولكن لا يمنعن من
المساجد إذا طلبن ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))[24].
وقد دلت الآيات والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على
أنه يجب عليهن التستر والتحجب من الرجال، وترك إظهار الزينة، والحذر من
التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك يسبب الفتنة بهن؛ ولهذا قال النبي صلى الله
عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات))[25]. ومعنى تفلات: أي لا رائحة لهن تفتن الناس. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء))[26]. وقالت عائشة رضي الله عنها: (لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء اليوم لمنعهن الخروج). فالواجب
على النساء أن يتقين الله وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز
بعض المحاسن، كالوجه واليدين والقدمين حين اجتماعهن بالرجال وخروجهن إلى
الأسواق، وهكذا في وقت الطواف والسعي، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن
الرؤوس، ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق؛ لأن ذلك من أعظم
أسباب الفتنة بهن؛ ولهذا قال عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[27]. والتبرج إظهار بعض محاسنهن. وقال عز وجل:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}[28]الآية.
والجلباب هو الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها ووجهها وصدرها وسائر
بدنها. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلاليب ويبدين عيناً واحدة). وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[29] الآية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((صنفان
من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على
رؤوسهن مثل أسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال
بأيديهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها الناس))[30]
خرجه مسلم في صحيحه. وقوله: كاسيات عاريات، فسر بأنهن كاسيات من نعم الله
عاريات من شكرها، وفسر بأن عليهن كسوة رقيقة أو قصيرة لا تسترهن، فهن
كاسيات بالاسم والدعوى عاريات في الحقيقة. ولا ريب أن هذا الحديث الصحيح
يوجب على النساء العناية بالتستر والتحجب والحذر من أسباب غضب الله
وعقابه. والله المستعان.
الوصية الثالثة: أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم بإخراج زكاة ماله إذا
كان لديه مال تجب الزكاة فيه؛ لأن الزكاة من أعظم فرائض الدين، وهي الركن
الثالث من أركان الإسلام. فالله سبحانه وتعالى شرعها طهرة للمسلم وزكاة له
ولماله وإحساناً للفقراء وغيرهم من أصناف أهل الزكاة، كما قال عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[31] وهي من شكر الله على نعمة المال، والشاكر موعود بالأجر والزيادة، كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[32]، وقال عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}[33]. وقد توعد الله من لم يؤد الزكاة بالعذاب الأليم، كما توعده سبحانه بأنه يعذبه بماله يوم القيامة، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا
فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا
كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}[34].
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية الكريمة: أن كل
مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة في يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. فالواجب على
كل مسلم له مال تجب فيه الزكاة أن يتقي الله ويبادر بإخراج زكاته في وقتها
في أهلها المستحقين لها، طاعة لله ولرسوله، وحذراً من غضب الله وعقابه.
والله سبحانه وعد المنفقين بالخلف والأجر الكبير، كما قال سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[35]، وقال تعالى: {آمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ
فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}[36].
الوصية الرابعة: صيام رمضان، وهو من أعظم الفرائض على جميع المكلفين من
الرجال والنساء، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، قال الله سبحانه: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ}[37]، ثم فسر هذه الأيام المعدودات بعد ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[38]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة و، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت))[39]
فهذا الحديث الصحيح يدل على جميع الوصايا المتقدمة وهي الشهادتان والصلاة
والزكاة والصوم، وأنها كلها من أركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه إلا
عليها؛ فالواجب على كل مسلم ومسلمة تعظيم هذه الأركان والمحافظة عليها
والحذر من كل ما يبطلها أو ينقص أجرها. والله سبحانه إنما خلق الثقلين
ليعبدوه سبحانه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل ذلك. وعبادته هي توحيده
وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم عن إخلاص لله سبحانه، ومحبة له،
وإيمان به وبرسله، ورغبة في ثواب الله، وحذر من عقابه؛ وبذلك يفوز العبد
بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. وإنما أصيب المسلمون في هذه العصور
الأخيرة بالذل والتفرق وتسليط الأعداء بسبب تفريطهم في أمر الله وعدم
تعاونهم على البر والتقوى، كما قال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[40].
فنسأل الله أن يجمعهم على الحق ويوفقهم للتوبة النصوح، وأن يهديهم للعمل
بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويوفق حكامهم للحكم بشريعته
والتحاكم إليها، وإلزام شعوبهم بما أوجب الله، ومنعهم عن محارم الله؛ حتى
يمكن لهم في الأرض كما مكن لأسلافهم، ويعينهم على عدوهم، إنه سميع قريب.
الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام،
كما تقدم في الحديث الصحيح، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة يستطيع السبيل
إليه في العمر مرة واحدة، كما قال الله سبحانه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}[41]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع))[42]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[43]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))[44].
فالواجب على حجاج بيت الله الحرام أن يصونوا حجهم عما حرم الله عليهم من
الرفث والفسوق، وأن يستقيموا على طاعة الله، ويتعاونوا على البر والتقوى،
حتى يكون حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً. والحج المبرور هو الذي سلم من
الرفث والفسوق والجدال بغير حق، كما قال الله سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[45]. ويدل على ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) والرفث: هو الجماع في حال الإحرام، ويدخل فيه النطق بالفحش ورديء الكلام. والفسوق يشمل المعاصي كلها.
فنسأل الله أن يوفق حجاج بيت الله الحرام للاستقامة على دينهم وحفظ حجهم
مما يبطله أو ينقص أجره، وأن يمن علينا وعليهم بالفقه في دينه والتواصي
بحقه والصبر عليه، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه
ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى
آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز